الاثنين، 27 فبراير 2012

يراد منكم 7

فتح عينيه في صباح باكر- وقد كانت داخلهما - . ملأ الأمل روحه كما جرت العادة . . أمل كل يوم . . الأمل الذي يبدو قريب المنال يوما وبعيدا يوما آخر . . .
الأمل - إنه الحياة . . كيف يتحرك المرء عن سريره في الصباح إن لم يملك هدفا ؛ إن لم يملك أملا يبغي الوصول إليه ؟؟ إن يومه خطوته نحوه ، إن لم يخطوها فلن يصل أبدا ما دام اليوم التالي يحمل خطوة جديدة لا تحتمل أن تسع إلى جانبها خطوة اليوم السابق المفقودة . . .
كل شيء قد يمر بباله سوى فكرة أن يفقد الأمل . . ومع الإقرار بأن الحياة في بعض الأيام تبدو مظلمة ؛ لكن شعاعا دائما يبقى . . . " لا تخف . . لا يزال الضياء هناك " ، الضياء الذي هي منه شعاع . . .
" أنا لا أفكر في أي أحد " - يحدث نفسه - " لا أفكر في غير طريقي . ولا أرى سوى هدفي " - يواصل الحديث - " أنا متجه إليه ، وأنا بإذن الله أصل ، ولا أحد هناك سواي " ؛ " وإذن . . لم الانتظار ؟؟؟ "
أخذ أفكاره في يديه ، وأخلاقه في جيبه وانطلق . . . كم كان ينظر إلى السماء ! وكم كان يبغي الوصول إليها في لمح البصر ! انطلق إلى هناك ورأسه ميدان يموج صراعات ، وقلبه يضطرب أمواجا . . . 
يغمض العينين ويفتحهما . . . ولا يرى شيئا . . الكل يتحرك أمام العينين لكن لا يجاوزهما . . فقد كان يشغله الأمل . . . وإن الأمل إذ يحتاج لتحققه من الوقت الكثير ؛ فإنه يفتح لأحلام اليقظة الأبواب . . . رأى في أحلامه كل شيء وأي شيء . . . رأى نفسه في ما جاز وامتنع من الأحوال . . . رأى أحلامه ذاتها تتحقق وتفشل . . رأى أسرته . . أصدقاءه . . أجداده . . ذريته . . . كان ذلك ما يهواه في أحلامه . . لا تقول لا . . حرة بغير حدود . . . في أحلامه بنى الجنان وهدمها في لحظة . . كل كما يريد . . . .
لكن آماله هناك وهو - هو لا يزال هنا . . أنى له بأجنحة ترفعه فوق الصعاب وعثرات الطريق ؟؟؟ بحاجة هو إلى كل المارة . بحاجة هو إلى كل قواه . . إلى كل لحظة من حياته . . إذ لا أجنحة له فما الذي يعوض له الأجنحة ؟؟؟
وككل حين . . . ممنوع في الواقع ؛ مصرح به في الأحلام . . من ثم ؛ هيأ جناحيه . . اطمأن إلى سلامتهما . . شحذا إلى أقصى حد . . وهاهو يحلق .
كان طريقه - هناك في السماء - قد أحسن بناؤه . . وكانت الرياح تدفع الأجنحة في اتجاه التحليق . . وكان الناس حيث ذاك لطافا إلى حد بعيد . . وفي هذه الأجواء حلق دون حدود . . .
حلق فيها بكل سرعة ممكنة ، تتخطى سرعته الناس عن اليمين والشمائل . . . وإن كان على يقين أنه لا يصل . . سواء عليه أسرع أم أبطأ . . . لا فائدة من طيرانه إن كان هدفه لا يزال غير مقضي فيه . . . لكنه لا ينفك يطير . . .
بعد وقت لا يدري كم هو . . . سمع صوتا سمحا يقول كلمات يسيرة . . " الصوت لا يخاطبك . . تقدم " - هكذا قال لنفسه - ثم إن الصوت أعاد ما قال . . فلم يكن له إلا أن يستدير لينظر . . . إنه صوتها . . لقد تخطاها في طريقه دون أن يدري . . .
أصابه الذهول . . كانت المرة الأولى التي يراها قائمة . . شديدة الجمال . . فكر للحظة ثم قال قبل أن يفيق مما فاجأه : " أأنتِ من ناداني ؟! "        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق